كل
منا يعبر عن نفسه في ساحات الكلام والفعل معا ، فكثيرا ما نصادف أشخاصا
يحسنون فن الحديث ، و يتقنون الحكمة ان سألوا أمرا و ان أفتوا مخرجا.
فلا
يعذر منا من أساء قولا ، و لو عن غير عمد ، لهذا علينا التريث عند الكلام
و أن نزن ما يتفوه به الفاه قبل التلفظ به ، فلكل أمر في الحياة ميزان ،
فكما نزن شيئا نأكله ، علينا أن نزن كلماتنا ، حواراتنا ، اختياراتنا ،
تعاملاتنا قبل أن تصبح وصمة عار في ميدان الخطاب و هذا لا لشيء بل حتى
نصيب قرارا.
فأحيانا يستدعي
منا المواقف المقابلة ردا صريحا وان كان موجعا لغيرنا الذي ألمنا بزلات
لسانه هفوة أو قصدا ، لأن الأمر فعلا أثر فينا ، و جرح مشاعرنا ، كبس
الهواء في داخلنا ، لكن يبقى علينا أن لا نتسرع في الرد ، و نترك الأخر
يحترق بنار ما قال و ما فعل ، فهذا الصمت كلاما و ردا و كرامة و ان جرحنا
، حفظا لماء الوجه ، و حفاظا على ما تبقى لنا من عزة ان اهدر حقنا .
فإن
تم هذا ، فانسحب بصمت و ارحل بلا صوت ، و لا تنتظر اعتذارا أو طلب الصفح
من احد ما دمت لم تخطأ ، ولا تعامل بنفس الطريقة التي عوملت بها ، فسيشرب
من كأس المرار الذي أذاقك منه علقما و ستنام بضمير يقظ مرتاح فقط لانك
أحسنت قولا ، فالتاريخ سيجل ما فعل و لن تغفر له اللحظات ما بدى منه ،
واترك ظالمك يطبخ في الإناء الذي أغلاك فيه ، ظلما أو سوءا أو قهرا ،
فسيسقط من عينك فقط لان الكلمة تدل على صفة المتكلم ، فـ زن ألفاظك ؟ حتى
لا تندم.
وهكذا ، فإن الذي
سيحول النار الى رماد هو فن القول و حسن الخطاب ، و هو الطب النفسي .
فالبعرة تدل على مرور البعير ، و الأثر يدل على عبور المسير.