نتكلم اليوم عن مثال صارخ عن
العفة والعفاف والذي يضربه لنا النبي الكريم يوسف عليه السلام ولنا معه
وقفات لتكون مثالاً للشاب المسلم اليوم ؟؟؟؟
تمهيد :
الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة، ولا يلغي الوظائف التي ركبها الله في
الإنسان، ولا يكبت الغرائز ولا يستقذرها، ولكنه يهذبها وينظمها ويسيرها في
مسالك الطهر، ويرفعها من مستوى الحيوانية المحضة لتصبح محورًا تدور عليه
الآداب النفسية والاجتماعية.
إنه يحارب الحياة البهيمية الساقطة التي لا تقيم بيتًا، ولا تبني أسرة، ولا تنشئ حياةً كريمةً ومجتمعًا طاهرًا.
إن الإسلام يقصد إلى حياة أسرية كريمة محترمة تشترك فيها الآمال والآلام،
ويؤخذ بها حساب الحاضر والمستقبل. محضنٌ لذرية صالحةٍ ومنشأٌ لجيلٍ طاهرٍ،
فيه الأبوان حارسان أمينان لا يفترقان.
هذا المجتمع الكريم النابت في تعاليم الإسلام يتميز بآدابه، ويلتزم
بأحكامه، هذا المجتمع يجعل جريمة الزنا قصيةً في ركن لا يطالها إلا فئات
شاذة لا يؤبه لها.
إن الذي يكبح هذه الجريمة، ويضيق دائرتها هو الإسلام بأحكامه وآدابه
وعقائده بدءًا من الإيمان بالله وخشيته وتقواه وحسن مراقبته سبحانه، ثم
تنقية المجتمع من بواعث الفتن، ومواطن الريب .
ففي المجتمع المسلم التزامٌ للملابس السابغة المحتشمة التي تكرم ابن آدم
وتحميه ، مع أدب غض البصر، وكف العيون الخائنة من البحث عن العورات ،
وتحريم الخلوة بين الرجل والمرأة غير ذات المحرم طهارة لقلوبهم وقلوبهن.
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان
ثالثهما)) [صحيح أخرجه الإمام الترمذي،حديث (2165)، وقال : حديث حسن صحيح
غريب. وصححه ابن حبان (4576) ، والحاكم (1/114-115)]،والمباعدة بين مجالس
الرجال ومجالس النساء، حتى في المساجد ـ دور العبادة ـ فللرجال صفوفهم
وللنساء صفوفهن ، ومنع الاختلاط المحرم في التعليم والعمل وكل مجال يقود
إلى الفتنة،مع تيسير سبل الزواج ، والتزام الاستئذان والاستئناس حتى لا
تقع العين على عورات النساء احتراماً لها ولكرامتها ،أو تلتقي العين
بمفاتن المرأة حفاظاً عليها وعلى أعراض المسلمين .
وقد ضرب لنا الله تبارك وتعالى مثالاً عن العفة والعفاف في القرآن الكريم
وهو عفة يوسف عليه الصلاة والسلام وهو الذي أردت الحديث عنه في هذا اللقاء
...........!!!
ملخص قصة يوسف عليه السلام كاملة :
ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى
أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا
يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في
غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه
بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن
نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ،
واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم
اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
وقبل البدأ ؟؟؟
قبل أن نتحدث عن بعض الوقفات المستخلصة من قصة يوسف عليه السلام، أود الإشارة لعدة أمور.
تختلف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص
الأنبياء، فجاء قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في
سورة واحدة.
قال تعالى في سورة يوسف : (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ
لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) .
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟
1 ـ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.
2 ــ وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.
3 ــ
وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك
والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد
والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.
4 ــ وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة..
إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها،
ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها.
(( وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ )) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم،
لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
القصة القرآنية للمراودة في سورة يوسف عليه السلام :
(( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ
الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي
أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )) (23) ، ودعت
امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها; لحبها الشديد
له وحسن بهائه, وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف, وقالت: هلمَّ إليَّ,
فقال: معاذ الله أعتصم به, وأستجير مِن الذي تدعينني إليه, من خيانة سيدي
الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله, إنه لا يفلح مَن ظَلَم
فَفَعل ما ليس له فعله : (( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا
أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ
وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) (24)ولقد مالت
نفسها لفعل الفاحشة, وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة, لولا أن
رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه, وإنما أريناه ذلك; لندفع
عنه السوء والفاحشة في جميع أموره, إنه من عبادنا المطهرين المصطفَين
للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده : (( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ
وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ
قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ
أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (25) ، وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج, وأسرعت
تحاول الإمساك به, وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته,
ووجدا زوجها عند الباب فقالت: ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن
أو يعذب العذاب الموجع ، (( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ
فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ))(26) ، قال يوسف: هي التي طلبت
مني ذلك, فشهد صبي في المهد مِن أهلها فقال: إن كان قميصه شُقَّ من الأمام
فصدقت في اتِّهامها له, وهو من الكاذبين ، (( وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ
قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ )) (27) ، وإن
كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت في قولها, وهو من الصادقين ، (( فَلَمَّا
رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ))(28) ، فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم
براءة يوسف, وقال لزوجته: إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن
جملة مكركن -أيتها النساء-, إنَّ مكركن عظيم ، (( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ
هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ))
(29)،قال عزيز "مصر": يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فلا تذكره لأحد,
واطلبي -أيتها المرأة- المغفرة لذنبك؛ إنك كنتِ من الآثمين في مراودة يوسف
عن نفسه, وفي افترائك عليه ، (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ
امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا
حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (30) ،ووصل الخبر إلى
نسوة في المدينة فتحدثن به, وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز
تحاول غلامها عن نفسه, وتدعوه إلى نفسها, وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها
(وهو غلافه), إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح ، (( فَلَمَّا
سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ
مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ
عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ
وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ
كَرِيمٌ ))(31) ، فلما سمعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في
ذمِّها, أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتها, وهيَّأت لهن ما يتكئن عليه من
الوسائد, وما يأكلنه من الطعام, وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطِّعن
الطعام, ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن, فلما رأينه أعظمنه وأجللنه, وأخَذَهن
حسنه وجماله, فجرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول,
وقلن متعجبات: معاذ الله, ما هذا من جنس البشر; لأن جماله غير معهود في
البشر, ما هو إلا مَلَك كريم من الملائكة ، (( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ
الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ
فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ
وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ))(32) ، قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي
قطَّعن أيديهن: فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي
لُمتُنَّني في الافتتان به, ولقد طلبته وحاولت إغراءه; ليستجيب لي فامتنع
وأبى, ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلا لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن,
ولَيكونن من الأذلاء ، ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ
إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ )) (33) ، قال يوسف مستعيذًا مِن
شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة,
وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن, وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم
لجهلهم ، (( فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))(34)، فاستجاب الله ليوسف دعاءه
فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله. إن الله هو
السميع لدعاء يوسف, ودعاء كل داع مِن خلقه, العليم بمطلبه وحاجته وما
يصلحه, وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم ، (( ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ
مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ )) (35) ثم ظهر للعزيز
وأصحابه -من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته- أن يسجنوه إلى زمن
يطول أو يقصر; منعًا للفضيحة.
يتبع